احكام الجنائز والدفع في ظل كورونا
- الأخبار
- 19 مارس 2020
- تعليقان
- 941 مشاهدة


أحكام الجنائز والدفن في ظل مستجدات وباء كورونا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
فإنه لا يخفى على أحدٍ ما أصاب العالمَ من جَرَّاء انتشار وباء (فيروس كورونا الجديد) وإيطاليا على وجه الخصوص التي تُعدُّ أكثر بلد بعد الصين من حيث انتشار المرض؛ حيث تتزايد حالات الإصابة يومياً بشكل ملحوظ، متجاوزة (35,000 حالة) ضاقت بها المستشفيات، كما ارتفعت حالات الوفاة؛ حيث تقارب (3,000 حالة)، وما ترتب على ذلك من قوانين استثنائية ضرورية للحدِّ منه، أدَّت إلى شبه تعطيل للحياة، ومعها عُلِّقت صلوات الجماعة والجمعة، وأغلقت المساجد والكنائس وغيرها، كما أُغلقت الأجواء، وقيِّدت حركة التنقل الداخلي إلا من الضروري منها، وعُطِّلت المدارس، والجامعات، وكثير من الوظائف، ما جعل البلاد في حالة ضرورة استثنائية، فرضت تغيُّراً في كل جوانب الحياة.
والفتوى – كما هو معلوم – تتغير بتغير الزمان والمكان والظروف والأحوال، وقد تقرر في فقهنا الإسلامي جملةٌ من القواعد التي تراعي مثل هذه الظروف، ومنها:
(الضرورات تبيح المحظورات)
(المشقة تجلب التيسير)
(لا تكليف إلا بمقدور)
(لا واجب مع العجز)
(الميسور لا يسقط بالمعسور)
وكل هذه القواعد وما تفرع عنها، إنما بُنيتْ على استقراء نصوص الوحي، وروح الشريعة،
ومن ذلك قول الله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)
وقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا)
وقوله: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).
وقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا)
وغير ذلك من النصوص الكثيرة.
وقد كثرت الأسئلة هذه الأيام في باب الجنائز وأحكامها في ظل هذا الوضع الحرج، وخاصة مع وفاة أول مجموعة من المسلمين في إيطاليا – رحمة الله تغشاهم – كغسل المصاب بهذا الوباء، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه.
وفي ظل الخشية من انتقال العدوى من الميت إلى الحي بحسب ما يقول الأطباء، وقوانين منع التجمعات التي لا تسمح بالتجمع لإقامة صلاة الجنائز، وغلق الأجواء أمام السفر ما يجعل نقل الجثث إلى البلد الأصلي لمن يرغبون متعذراً، وقلة المقابر الخاصة بالمسلمين في عموم إيطاليا، وحتى تلك المقابر القائمة فإنها عادة ما تكون خاصة بالمقيمين رسمياً في تلك المدن، ما يصعب معه نقل جثة من مدينة لأخرى.
وبناء على كل ما سبق، ومع التأكيد على ضرورة الالتزام بالقوانين والتعليمات الصادرة عن الدولة والجهات المعنية، فإننا نلخص الجواب على الأسئلة المتعلقة بالجنائز بالآتي:
أولاً: بالنسبة لغسل المتوفى من المصابين بهذا المرض، فإنه يكفي – إذا لم يُسمح بغسله، أو خُشي انتقال العدوى – غسله بصبِّ بالماء عليه من بعيد، مع أخذ الاحتياطات اللازمة للمغسلين، فإن تعذَّر ذلك يُمِّمَ، وإلّا دُفن دون غسل ولا تيمم دفعاً لانتقال العدوى، وذلك لأن الحي أولى من الميت، ولأن حماية الأحياء من احتمالية كبيرة بالإصابة بهذا الوباء أولى من الحرص على غسل الميت، الذي وإن كان في الأصل واجباً، إلا أنه لا تكليف إلا بمقدور، قال تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)
وبهذا الترتيب قال فقهاء المذاهب في حال تعذر غسل الميت.
ثانياً: يُكفَّن الميِّت بالكفن الشرعي إن تيسر ذلك، وإلا فَيُلفُّ عليه ثوب على ثيابه التي مات فيها إن تيسَّر، وإلا فكفنه ثيابه التي توفي فيها.
ثالثاً: الصلاة على الميت فرض كفاية -كما هو معلوم- إذا قام بها البعض سقط وجوبها عن بقية المكلفين.
وإذا تمكن بعض المسلمين من استلام جثة المتوفى والصلاة عليه، أجزأ ذلك وسقط الوجوب عن بقية المسلمين. ويكفي أن يصلي عليه ثلاثة أو اثنان، بل ذهب بعض العلماء إلى أن الوجوب يسقط بصلاة المكلف من الرجال، كما هو عند الشافعية والحنابلة.
ويمكن لمن شاء من المسلمين أن يصلي عليه صلاة الغائب، جماعةً -كأن تصلى في البيوت- أو فرادى، فقد ذكر بعض الشافعية والحنابلة جواز الصلاة على الميت (صلاة الغائب) إذا شق حضور الصلاة عليه، والصلاة في هذه الحالة من باب أولى، لتعذر الحضور، كما أن المتوفى في هذه الظروف في حكم الميت البعيد؛ الذي تجوز الصلاة عليه عند الكثير من العلماء، وهو مذهب الشافعية والحنابلة وبعض المالكية.
ثالثا: أما الدفن، فإن الأصل فيه أن يدفن المسلم في المكان الذي يموت فيه، فقد دفن الصحابة رضي الله عنهم في الأماكن التي ماتوا فيها.
والأصل كذلك أن يدفن المسلم في المقابر الخاصة بالمسلمين؛ فإن لم يتيسر؛ فيدفن حيث أمكن ولو في مقابر غير المسلمين، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولا يضر المسلم في حالة كهذه أن يدفن في مقابر غير المسلمين، فإن الذي ينفعه في آخرته هو عمله وليس موضع دفنه، قال تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى). وكما قال سلمان رضي الله عنه: (الأرض لا تقدس أحداً).
ونحن في ظرفٍ صار الدفن في هذه المقابر ضرورة لا تخفى على أحد، والضرورات تبيح المحظورات.
وقد جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (21/19): (اتفق الفقهاء على أنه يحرم دفن مسلم في مقبرة غير المسلمين، وعكسه، إلا لضرورة).
وقد أفتى مجلس الإفتاء الأوروبي بجواز الدفن في مقابر غير المسلمين عند عدم وجود المقابر الخاصة بالمسلمين.
هذا.. ونوصي عموم المسلمين في هذه الظروف – وقد تعذر معها الاجتماع على الجنائز – بأن يكثروا من الدعاء لمن مات، وأن يتواصوا على ذلك، وعلى الصلاة عليه صلاة الغائب في البيوت، وأن يكثروا من الدعاء للمرضى بالشفاء، وبرفع البلاء عن إيطاليا، وكل بلاد الدنيا.
الجمعية الإسلامية الإيطالية للأئمة والمرشدين
لجنة الفتوى
19/3/2020