رئيس التحرير ومجلس الإدارةاول موقع للبث المباشر لصلاة التراويح والمؤتمرات

صلاة العشاء والتراويح في ظل جائحة كورونا

صلاة العشاء والتراويح في ظل جائحة كورونا

بيان بشأن صلاة المغرب والعشاء والتراويح في ظل استمرار الجائحة

الحمد لله رب العالمين، القائل: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ). [البقرة:185].
والقائل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ). [التغابن:16].
والصلاة والسلام على رسوله الأمين.
وبعد:
فقد كثرت الأسئلة حول صلاة التراويح التي تمثل واحدة من أهم شعائر رمضان، وكيفية إقامتها، في ظل الإجراءات الخاصة بكورونا، والتي يحتمل استمرار بعضها؛ مثل الحظر الليلي بين الساعة العاشرة ليلاً والخامسة فجراً، وأيضاً القيود المفروضة على التجمعات بشكل عام في ظل الجائحة.
وإننا أولاً لندعو الله تعالى أن يرفع هذا الوباء عن إيطاليا وعن كل بلاد الدنيا، بما يمكننا من إحياء رمضان، والعودة إلى الحياة العادية.
ثانياً: فإننا لا نستطيع الجزم بما سيكون عليه الحال مع بداية رمضان، وهل ستكون الإجراءات متجهة نحو تخفيف بعض القيود أم العكس، كما يحدث الآن من تشديد في معظم المقاطعات بسبب ارتفاع نسبة تفشي الوباء.
ومع ذلك فإننا سنتحدث عن الخيارات الممكنة، مع الاحتمالات المختلفة المتوقعة، وقد يكون الوضع مختلفاً بين مقاطعة وأخرى بحسب دائرة تفشي الوباء والإجراءات الخاصة بكل مقاطعة، وبالتالي فإنه قد لا توجد صورة وخيار واحد مناسب للمسلمين في كل مدن وقرى إيطاليا؛ بل قد يختلف الأمر بين مدينة وأخرى، أو في المدينة الواحدة، وبين أول رمضان وآخره.
ونؤكد على استثنائية الوضع الصحي الذي انعكس على جوانب الحياة المختلفة بما في ذلك ظروف العبادة، وللضرورة أحكامها كما هو معلوم.
وشريعتنا الإسلامية – بفضل الله – رحبة واسعة، قائمة على اليُسْر ورفع الحرج، وفقهنا الإسلامي فيه من الثراء والتنوع في الاجتهادات والأقوال، وقبل ذلك القواعد المنظمة للاجتهاد والاستنباط ما يتَّسِع لاستيعاب ظروف الناس المختلفة.
وعليه.. فإن الفتوى تتغير مراعية تغير الزمان والمكان والظروف والأحوال، والله سبحانه تعالى يقول: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا). [البقرة 286]، ويقول تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا). [الطلاق7]، ويقول: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). [الحج 78]، ويقول سبحانه: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ). [البقرة 185]، وقال صلى الله عليه وسلم: (يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا). [البخاري ومسلم]، وغير ذلك من النصوص الكثيرة.
ومن القواعد الفقهية المشهورة والمستنبطة من النصوص السابقة في هذا الباب: (المشقة تجلب التيسير)، (لا تكليف إلا بمقدور)، (لا واجب مع العجز)، (الميسور لا يسقط بالمعسور).
وبناء على ما تقدم نقول:
إن الأصل هو أداء صلاة العشاء في وقتها الشرعي الأصلي، وبعدها التراويح جماعة في المساجد عند عدم وجود قوانين تمنع التجمعات عموماً، أو قانون حظر التجوال الليلي بين العاشرة ليلاً والخامسة فجراً في حال استمراره في ليالي رمضان، بخلاف مناطق أقصى الجنوب حيث يمكنهم أداء العشاء والتراويح والانتهاء منهما قبل العاشرة ليلاً.
فإن استمر قانون حظر التجوال الليلي، فإن الخيارات الممكنة والصور المشروعة المقترحة على النحو الآتي:
الخيار الأول:
إما أداء فريضة العشاء جماعة في المساجد في أول وقتها، ومعها بعض التراويح: كصلاة أربع ركعات جماعة، أو ما سمح به الوقت.. واستكمال بقية التراويح في المنازل.. وإما الاكتفاء بالعشاء فقط، وإحياء التراويح في البيوت، وخاصة في بداية رمضان حيث يدخل العشاء في معظم إيطاليا قبل العاشرة بما يكفي للقيام بها، والعودة إلى المنازل قبل سريان الحظر.
وإن كان الأفضل في التراويح أداؤها في المساجد جماعة – وهو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم – إلا أن منهم من يرى ابتداءً أن الأفضل إحياؤها في البيوت لمن قدر على ذلك، فكيف ونحن نعيش حالة العذر والاستثناء!
قال مالك: “قيام رمضان في البيت لمن قوي عليه أحبّ إليّ”.
وقال الشافعي رحمه الله: “فأما قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحب إليّ منه”.
وقال أبو يوسف: “من قدر على أن يصلي في بيته كما يصلي مع الإمام في رمضان فأحب إليّ أن يصلي في بيته”. وهو المحكيّ عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومما استدلوا به قوله صلى الله عليه وسلم: (صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ). [رَوَاهُ الشَّيْخَانِ].
ويكونون بذلك قد أدَّوْا ما أمكنهم أداءه جماعة بناء على قاعدة: (الميسور لا يسقط بالمعسور).
والمهم في هذه الحالة هو الخروج في وقت يكفي لأن يكون الناس في منازلهم قبل العاشرة.
الخيار الثاني:
الجمع بين المغرب والعشاء والتراويح:
وللجمع صورٌ متعددة يمكن تطبيق ما يناسب جمهور رواد المسجد ويناسب الوضع الصحي
وصور الجمع:
1- الجمع الصوري بتأخير المغرب إلى آخر وقتها قبل العشاء -على مذهب الحنابلة والظاهريَّة، ورواية عن مالك، وطائفة من السَّلَفِ الذين يرون أن وقت المغرب ينتهي بدخول وقت العشاء- ثم إقامة العشاء عند دخول أول وقتها، وهو جمع في صورته لكن في حقيقته هو أداء لكل فريضة في وقتها: الأولى في آخر وقتها، والثانية في أول وقتها.
2- الجمع بين المغرب والعشاء في أول وقت المغرب جماعة في المسجد ثم العودة إلى المنازل.
3- أن يؤخروا المغرب نصف ساعة أو ما يناسبهم من الوقت ثم يجتمعون في المسجد لأدائها مع العشاء جمْعاً.
وتعتبر هاتان الصورتان من صور جمع التقديم حيث أدوا الفريضتين في وقت المغرب وقبل دخول وقت العشاء.
وفي كل الحالات الثلاث يمكنهم أن يصلوا التراويح بعد العشاء جماعة كلها أو بعضها، أو أن يؤجلوها إلى البيوت، كل ذلك بحسب ما يسمح به الوقت، وقوانين حظر التجوال، وتنظيم التجمعات في ظل الجائحة.
والجمع بين صلاتي المغرب والعشاء عند الحرج والحاجة مشروع فقد ورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جَمعَ بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوفٍ ولا مطر) قالوا: ما أراد إلى ذلك؟ قال: (أراد ألا يحرج أمته) ويفهم من قول ابن عباس رضي الله عنه: (أراد ألا يحرج أمته) أنه إذا كان التزام الوقت يفضي إلى الحرج على الناس جاز الجمع في مثل هذه الحالة وبهذا قال طائفة من أهل العلم.
وقد شُرعت رخصة الجمع عند الخوف، وعند المطر حيث يصعب معه عودة الناس لصلاة العشاء رعاية للجماعة وحرصاً عليها؛ فمن باب أولى حالة حظر التجوال حيث يتعذر معها اجتماع الناس لصلاة العشاء في وقتها.
الخيار الثالث:
أداء التراويح قبل دخول وقت العشاء، ثم صلاة العشاء في أول وقتها والانصراف بعد ذلك.
وهذه الصورة -تقديم التراويح على العشاء – وإن بدتْ خلاف المعروف المعمول به، وخلاف ما عليه جمهور العلماء في ترتيب وقت التراويح وأنه بعد العشاء، إلا أنها تستند إلى قول فقهي قديم يمكن العمل به خاصة مع حالة الاستثناء القائمة.
قال المرداوي في (الإنصاف): “أول وقتها بعد صلاة العشاء وسنتها، على الصحيح من المذاهب، وعليه الجمهور”.
وقد أجاز بعض متأخري الحنفية والحنابلة في قول مرجوح عندهم أداء صلاة التراويح قبل صلاة العشاء؛ فقد ذكر بدر الدين العيني وابن عابدين من الحنفية أن وقت صلاة التراويح فيه ثلاثة أقوال: الليل كله، قبل العشاء وبعده، وقبل الوتر وبعده.
وذكر المرداوي من الحنابلة أنه أفتى بعض المتأخرين من الأصحاب بجوازها قبل العشاء.
وإلى القول بالجمع بين المغرب والعشاء والتراويح بالصور السابقة أو تقديم التراويح على العشاء عند المشقة وتأخر وقت العشاء ذهب المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في فتواه 1/23.

الخيار الرابع:
إقامة العشاء والتراويح في المنازل كما حدث في العام الماضي 2020، إذا تعذر القيام بها في المساجد، وخاصة في مناطق الشمال، في حال استمرار الحظر الليلي، وكذلك المراكز التي يخشى القائمون عليها صعوبة التحكم بالأعداد القادمة، وصعوبة توفير الشروط القانونية الوقائية المطلوبة، حيث إن التراويح سنَّة يمكن إقامتها في البيوت في حال خشية تفشي المرض أو صعوبة التحكم بالجمهور.
وفي كل الحالات فإننا نؤكد على إخواننا الأئمة ومسؤولي المراكز الإسلامية ضرورة العمل على الالتزام بالإجراءات الوقائية واحترام القوانين المنظمة لذلك؛ حفاظاً على النظام العام وعلى صحة روّاد المساجد من انتشار الوباء.
كما نوصي عموم إخواننا المسلمين بالاقتداء بأئمتهم في الصلاة، والتعاون مع مراكزهم، وتفهُّم القرارات التي سيأخذونها في هذه الظروف الحرجة التي تعيشها البلاد، والاستعداد لإحياء رمضان ولياليه بما يليق به وبنفحاته الإلهية، سواء سمحت الظروف بأدائها في المساجد أم اقتضت الظروف أداءها في المنازل.
كما نوصي بعدم الإنكار في هذه المسائل مهما اختلفت قرارات المراكز واختيارات الأئمة طالما كانت في إطار الاجتهادات الشرعية المقبولة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبلغنا رمضان، وأن يهيئ له قلوبنا، ويجمع كلمتنا، وأن يجعلنا فيه من المقبولين، وأن يعجل برفع البلاء عن إيطاليا، عن سائر البلاد والعباد.. آمين.

الجمعية الإسلامية الإيطالية للأئمة والمرشدين
لجنة الفتوى
فيرونا – الإثنين 08/03/2021

شارك برأيك وأضف تعليق

2024 ©