الجمع بين المغرب والعشاء والتراويح في مدن الحظر قبل وقت العشاء بسبب كورونا
- الأخبار
- 29 مارس 2021
- تعليقان
- 1186 مشاهدة


فتوى
بخصوص الجمع بين المغرب والعشاء والتراويح في مدن الحظر قبل وقت العشاء بسبب كورونا
سُئلتُ من عدد من المراكز الإسلامية في الغرب الواقعة في البلدان التي تطبق نظام حظر التجوال قريبا من وقت صلاة العشاء بسبب كورونا، عن حكم الجمع بين المغرب والعشاء والتراويح قبل دخول وقت العشاء خاصة إذا كان الجمع سيستمر طوال الشهر ووقت العشاء موجود، وهل الأولى إقامة العشاء والتراويح في البيوت مثل العام الماضي، أم الجمع في المساجد وإن أقيمت العشاء قبل وقتها؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد، فندعو الله تعالى أن يعجل برفع البلاء والوباء عنا وعنكم وعن البشرية جمعاء، وأن يبلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين وأن يكتبنا فيه من المقبولين الفائزين.
الذي أرجحه في هذه النازلة هو أن تقام صلاة العشاء والتراويح جماعة في المساجد بعد الالتزام بالقيود والإجراءات الوقائية المتبعة في البلاد، وذلك باختيار صورةٍ من الصور الآتية:
الأولى: أن يُصلى المغرب في وقته ثم تقام صلاة العشاء والتراويح بعده بوقت كاف للإفطار يتفق عليه، وبدون انتظار لوقت العشاء الأصلي، وهذه الصورة هي جمعٌ بين الصلاتين بفاصل كبير عُرفاً، وقد جوَّزه بعض الفقهاء كابن تيمية وابن القيم؛ لأنه لا دليل على اشتراط عدم الفصل سوى اللغة.
الثانية: أن يُفطر الناس في بيوتهم ثم يجتمعون بعد المغرب بوقت كافٍ للإفطار يُتفق عليه لصلاة المغرب والعشاء والتراويح، وهذه أفضل من الأولى؛ لأنها توافق قول الجمهور في عدم الفصل بين الصلاتين حالة الجمع، كما تُمكن العدد الأكبر من الناس من الصلوات الثلاثة جماعة في المسجد، وتختصر الوقت أيضاً.
الثالثة: أن يُصلى المغرب في وقته ثم يجتمع الناس بعده بوقت كافٍ للإفطار يُتفق عليه، وتقام صلاة التراويح قبل العشاء ثم تصلى العشاء بعد التراويح إن دخل وقتها قبل الحظر، وذلك عملاً بقول مرجوح قال به بعض متأخري الحنفية والحنابلة خلافاً لجمهور الفقهاء بجواز أداء صلاة التراويح قبل صلاة العشاء؛ فقد ذكر بدر الدين العيني وابن عابدين من الحنفية أن وقت صلاة التراويح فيه ثلاثة أقوال: الليل كله، قبل العشاء وبعده، وقبل الوتر وبعده، وذكر المرداوي من الحنابلة أنه أفتى بعض المتأخرين من الأصحاب بجوازها قبل العشاء؛ لأِنَّ جَمِيعَ اللَّيْل إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْل الْعِشَاءِ وَبَعْدَهَا وَقْتٌ لِلتَّرَاوِيحِ؛ لأِنَّهَا سُمِّيَتْ قِيَامَ اللَّيْل فَكَانَ وَقْتُهَا اللَّيْل. وهذه الصور أفتى بها المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في دورته الثالثة والعشرين 16-19 شعبان 1434هـ الموافق 25-28 حزيران (يونيو) 2013م فتوى 127 (1/23)
والدليل على جواز الجمع بين المغرب والعشاء والتراويح وعدم انتظار الوقت الأصلي للعشاء على الصورتين الأوليين ما يلي:
- حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ» فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ» صحيح مسلم (1/ 490، والحرج قائم بعدم الجمع في نازلتنا؛ لأن صلاة العشاء والتراويح لن تقام بغير الجمع في رمضان بسبب الحظر، وقد توسع بعض الفقهاء في الجمع لرفع الحرج دون أسبابه كالسفر والمرض والمطر فقالوا: كل ما كان سبباً يفوت صلاة الجماعة فهو سبب يبيح الجمع.
- القياس على الجمع لأجل المطر؛ فقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم لأجل المطر، وعلل الفقهاء جمعه بتمكين الناس من الصلاة التالية جماعة، حيث يتعذر عليهم العودة إلى المساجد بسبب الوحل والمطر، ولهذا قاسوا البرد الشديد والحر الشديد على المطر، وفي نازلتنا صلاة العشاء والتراويح في وقتها الأصلي ممنوعة بالكلية فيُصار إلى الجمع لإقامة الشعيرة.
- القياس على الجمع لأجل الخوف، وقد جوز الجمع بسبب الخوف كثير من الفقهاء كالحنابلة وابن تيمية ومن وافقهم استناداً إلى حديث ابن عباس السابق الذي دل بمفهومه على جواز الجمع لأجل الخوف، وإذا كان الفقهاء المعاصرون قد جوزوا إغلاق المساجد وإيقاف الجمع والجماعات لفترات طويلة بسبب الخوف من الإصابة بكورونا، فلأن يجوز الجمع بين الصلاتين بسبب الخوف أولى.
- قد يُقال: إنّ الأصل في صلاة التروايح أن تؤدى في البيوت فلمَ الجمع وإقامة فريضة العشاء قبل وقتها دون حاجة لذلك؟ والجواب عن ذلك: أن الأفضل إقامة التراويح جماعة في المساجد للمسلمين في الغرب، وهو الموافق لرأي جمهور العلماء؛ لأن صلاة التراويح جماعة في المساجد بالغرب لها أهمية روحية واجتماعية وثقافية خاصة بحق الأجيال الجديدة والمسلمين الجدد، خاصة وقد حُرم المسلمون منها العام الماضي، وأحكام الجوائح والنوازل تختلف عن أوقات الرخاء واليسر، وقد منع العلماء الصلاة المتباعدة أول الأمر ثم أجازوها لمــــَّا رأوا طول أمد الجائحة، وقرروا أن صلاة الجماعة المتباعدة خير من تركها بالكلية.
- وأما استمرار الجمع مع وجود وقت العشاء طوال رمضان فلا يتعارض مع الضبط الفقهي للجمع من عدم اتخاذه عادة؛ لأن الفقهاء تحدثوا عن جمع دون سبب، وفي نازلتنا الحرج قائم ومستمر طوال الشهر، والرخصة تستمر ما استمر سببها، وتتكرر ما تكررت علتها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب على قصر الصلاة ما دام مسافراً حتى يرجع إلى المدينة؟ ولو استمر المطر بالناس شهوراً لبقيت لهم رخصة الجمع بين الصلاتين، ولو استمر بالمرأة حمل ورضاع سنين طويلة لبقيت لها رخصة الفطر في رمضان وهكذا الشأن في كل رخصة ما دام العذر قائماً حتى يزول.
وأختم بالتأكيد على عدم الإنكار في مسائل الاجتهاد، وأن يقدر الأئمة ومدراء المركز الإسلامية ظروف مؤسساتهم وأن يختاروا الأرفق بالناس والأرعى لمصالحهم، وأن يجنبوا المساجد الخلافات التي تشوش على الناس وتشتت القلوب في رمضان، ويسع من لا يصلي في المساجد أن يصلي في البيوت منفرداً أو مع أهل بيته.
كما أُشدد على ضرورة الالتزام بالقيود والنظم الوقائية واللوائح القانونية لكل مدينة وبلد، والله تعالى نسأل أن يرفع البلاء والوباء عن البشرية جمعاء، وأن يبلغنا رمضان وأن يوفقنا لصيامه وقيامه، والله تعالى أعلم.
وكتبه
د/ خالد حنفي
رئيس لجنة الفتوى بألمانيا
عميد الكلية الأوروبية للعلوم الإنسانية بألمانيا