هنا القاهرة
- الأخبار
- 01 أكتوبر 2021
- d M Y
- 756 مشاهدة


هنا القاهرة..!!
رندا البياري
قاهرة المعز، مدينة الالف مأذنه ، قاهرة المغتصبين والمستعمرين الذين جهلوها وجهلوا علمها وفنها وادبها، صاحبة الحكايات الأسطورية ومالكة الحضارات الفرعونية والحروب الدموية، رغم قوة حضاراتها الموجودة في ازقتها والتي تنبثق منها رائحة الحروب والدم الا انها مازالت صامدة شامخة بصعوبة امام شبح النهاية حتى الان.
عند ملامسة قدميك ارضها تمشي بخجل واستحياء لما مر عليها من ملوك وعلماء وعظماء، تصيبك عدوى الضحك والبراءة وخفة الظل من شعبها بقوة خفية لا تعيها، تستمع في ازقتها وبين المقامات والكنائس العتيقة والمعابد اليهودية القديمة صوت ام كلثوم والموسيقار عبد الوهاب والعندليب والموشحات الاندلسية، تجد في شعبها الاصالة والحضارة والتناقضات في ان واحد، تشاهد رقصات الشباب على ضفاف النيل لأغاني غير مفهومة وبالضفة الأخرى تلحظ كبار السن يستمعون بفرح لسيد مكاوي لكن بنفس الوقت تجد بين طيات جلودهم المتعرجة مدى الألم الذي يشعرك بغصة حين يستنشقون نفساً عميقاً لعلهم يعودون للزمن الجميل.
عندما تزور القاهرة اجلس امام الشريان النابض نهر النيل وأغمض عينيك وانظر لها من قلبك، ستجد امامك هيلوبوليوس في اوج عصرها حيث كانت من أعظم المدن قبل التاريخ والتي ازدهرت فيها التجارة وفن الهندسة المعمارية والزراعة التي أدت الى القوة والثراء، وخلال مداعبة هواء القاهرة وجنتيك يخيل لك أنك انتقلت بألة الزمن عن طريق بساط الريح لينقلك الى أحد عجائب الدنيا في الجيزة وتنظر الى الاهرامات الشامخة من بعيد وتشعر انها قريبة منك من كبر حجمها وجمال اعمارها.
ومع هذا البساط تذهب الى القلعة التي توج فيها سلاطين وذبح اخرون حيث خرج منها قصص واساطير، انها قلعة صلاح الدين الايوبي الذي تدهشك بروعة اعمارها ودقة اتقانها فتسمع لوهلة قدح الخيول يقترب لينتقل بك من العصر الايوبي الى عهد المماليك وتلمح ثوب زوجة اخر ملوك الايوبيين وأول زوجة لملوك المماليك شجرة الدر صاحبة اغرب القصص منذ ولادتها حتى مماتها والتي ما زالت تمتلك شهرة عظيمة في أوراق سيناريوهات الافلام المصرية المصورة.
ومن خلال بساطك تشاهد العديد من العصور والحضارات حتى تستنتج كم كانت مصر محروسة من ملوك وخلفاء وامراء حتى باتت مطمع الجميع على مد العصور، اطمأن وانت على البساط فأنت لن تضل الطريق وهذا بفضل الفن المصري والأفلام المصرية التي قدمت حضارة البلاد وتاريخها حتى بت تلاحظ التغيرات في المباني والازقة من كثرة الأفلام التي تنتجها هذه البلاد وتكاد تفرق بين الناس من لهجاتهم ان كانوا من الفلاحيين او من الصعيد او حتى المحافظات الأخرى.
لكن، عندما تفتح عينيك بعد هذه الرحلة الخيالية بين العصور القديمة وحضاراتها تجد نفسك امام هذا النهر العظيم ولكن بغصة والم تجد ان المقارنة ما بين الماضي والحاضر كبير ،لتنظر في النهاية الى الواقع تجد اننا وصلنا الى نهاية مخجلة وحزينة لمدينة انولدت وترعرعت بأيدي أعظم العصور وفي تلك اللحظات يراودك سؤال واحد فقط هل هذه نهايتها؟
وفي النهاية لا يسعني غير ان اشرب من ماء نيلها لعلي اعود اليها وهي عائدة الى عهدها السابق…
نعم هنا القاهرة…!!!